فصل: قال السمرقندي في الآيات السابقة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



{فلما جاءهم نذير}، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، قاله ابن عباس، وهو الظاهر.
وقال مقاتل: هو انشقاق القمر.
{ما زادهم}: أي ما زادهم هو أو مجيئه.
{إلا نفورًا}: بعدًا من الحق وهربًا منه.
وإسناد الزيادة إليه مجاز، لأنه هو السبب في أن زادوا أنفسهم نفورًا، كقوله: {فزادتهم رجسًا إلى رجسهم} وصاروا أضل مما كانوا.
وجواب لما: {ما زادهم}، وفيه دليل واضح على حرفية لما لا ظرفيتها، إذ لو كانت ظرفًا، لم يجز أن يتقدّم على عاملها المنفي بما، وقد ذكرنا ذلك في قوله: {فلما قضينا عليه الموت ما دلهم} وفي قوله: {ولما دخلوا من حيث أمرهم أبوهم ما كان يغني عنهم} والظاهر أن {استكبارًا} مفعول من أجله، أي سبب النفور وهو الاستكبار، {ومكر السيء} معطوف على {استكبارًا}، فهو مفعول من أجله أيضًا، أي الحامل لهم على الابتعاد من الحق هو الاستكبار؛ {والمكر السيء}، وهو الخداع الذي ترومونه برسول الله صلى الله عليه وسلم، والكيد له.
وقال قتادة: المكر السيء هو الشرك.
وقيل: {استكبارًا} بدل من {نفورًا}، وقاله الأخفش.
وقيل: حال، يعني مستكبرين وماكرين برسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين، ومكر السيء من إضافة الموصوف إلى صفته، ولذلك جاء على الأصل: {ولا يحيق المكر السيء}.
وقيل: يجوز أن يكون {ومكر السيء} معطوفًا على {نفورًا}.
وقرأ الجمهور: ومكر السيء، بكسر الهمزة؛ والأعمش، وحمزة: بإسكانها، فإما إجراء للوصل مجرى الوقف، وإما إسكانًا لتوالي الحركات وإجراء للمنفصل مجرى المتصل، كقوله: لنا ابلان.
وزعم الزجاج أن هذه القراءة لحن.
قال أبو جعفر: وإنما صار لحنًا لأنه حذف الإعراب منه.
وزعم محمد بن يزيد أن هذا لا يجوز في كلام ولا شعر، لأن حركات الإعراب دخلت للفرق بين المعاني، وقد أعظم بعض النحويين أن يكون الأعمش يقرأ بهذا، وقال: إنما كان يقف على من أدّى عنه، والدليل على هذا أنه تمام الكلام، وأن الثاني لما لم يكن تمام الكلام أعربه، والحركة في الثاني أثقل منها في الأوّل لأنها ضمة بين كسرتين.
وقال الزجاج أيضًا: قراءة حمزة {ومكر السيء} موقوفًا عند الحذاق بياءين لحن لا يجوز، وإنما يجوز في الشعر للاضطرار.
وأكثر أبو علي في الحجة من الاستشهاد، والاحتجاج للإسكان من أجل توالي الحركات والاضطرار، والوصل بنية الوقف، قال: فإذا ساغ ما ذكرناه في هذه القراءة من التأويل، لم يسغ أن يقال لحن.
وقال ابن القشيري: ما ثبت بالاستفاضة أو التواتر أنه قرئ به فلابد من جوازه، ولا يجوز أن يقال لحن.
وقال الزمخشري: لعله اختلس فظن سكونًا، أو وقف وقفة خفيفة، ثم ابتدأ {ولا يحيق}.
وروي عن ابن كثير: ومكر السيء، بهمزة ساكنة بعد السين وياء بعدها مكسورة، وهو مقلوب السيء المخفف من السيء، كما قال الشاعر:
ولا يجزون من حسن بسيّ ** ولا يجزون من غلظ بلين

وقرأ ابن مسعود: {ومكرًا سيئًا} عطف نكرة على نكرة؛ {ولا يحيق}: أي يحيط ويحل، ولا يستعمل إلا في المكروه.
وقرىء: {يحيق} بالضم، أي بضم الياء؛ {المكر السيء} بالنصب، ولا يحيق الله إلا بأهله، أما في الدنيا فعاقبة ذلك على أهله.
وقال أبو عبد الله الرازي: فإن قلت: كثيرًا نرى الماكر يفيده مكره ويغلب خصمه بالمكر، والآية تدل على عدم ذلك.
فالجواب من وجوه: أحدها: أن المكر في الآية هو المكر بالرسول من العزم على القتل والإخراج، ولا يحيق إلا بهم حيث قتلوا ببدر.
وثانيها: أنه عامّ، وهو الأصح، فإنه عليه السلام نهى عن المكر وقال: «لا تمكروا ولا تعينوا ماكرًا، فإنه تعالى يقول: {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله}، فعلى هذا يكون ذلك الممكور به أهلًا فلا يزد نقصًا» وثالثها: أن الأمور بعواقبها، ومن مكر به غيره ونفذ فيه المكر عاجلًا في الظاهر، ففي الحقيقة هو الفائز، والماكر هو الهالك. انتهى.
وقال كعب لابن عباس في التوراة من حفر حفرة لأخيه وقع فيها، فقال له ابن عباس: إنا وجدنا هذا في كتاب الله، {ولا يحيق المكر السيء إلا بأهله}. انتهى.
وفي أمثال العرب من حفر لأخيه جبًا وقع فيه منكبًا.
و{سنة الأولين}: إنزال العذاب على الذين كفروا برسلهم من الأمم، وجعل استقبالهم لذلك انتظارًا له منهم.
وسنة الأولين أضاف فيه المصدر.
وفي {لسنة الله} إضافة إلى الفاعل، فأضيفت أولًا إليهم لأنها سنة بهم، وثانيًا إليه لأنه هو الذي سنها.
وبين تعالى الانتقام من مكذبي الرسل عادة لا يبدلها بغيرها ولا يحولها إلى غير أهلها، وإن كان ذلك كائن لا محالة.
واستشهد عليهم مما كانوا يشاهدونه في مسايرهم ومتاجرهم، في رحلتهم إلى الشام والعراق واليمن من آثار الماضين، وعلامات هلاكهم وديارهم، كديار ثمود ونحوها، وتقدّم الكلام على نظير هذه الجملة في سورة الروم.
وهناك {كانوا أشد منهم قوّة} استئناف إخبار عن ما كانوا عليه، وهنا: {وكانوا}: أي وقد كانوا، فالجملة حال، فهما مقصدان.
{وما كانوا الله ليعجزه}: أي ليفوته ويسبقه، {من شيء}: أي شيء، و{من} لاستغراق الأشياء {إنه كان عليمًا قديرًا}: فبعلمه يعلم جميع الأشياء، فلا يغيب عن علمه شيء، وبقدرته لا يتعذر عليه شيء.
ثم ذكر تعالى حلمه تعالى على عباده في تعجيل العقوبة فقال: {ولو يؤاخذ الله الناس بما كسبوا}: أي من الشرك وتكذيب الرسل، وهو المعنى في الآية التي في النحل، وهو قوله: {بظلمهم}، وتقدّم الكلام على نظير هذه الآية في النحل، وهناك {عليها}، وهنا على {ظهرها}، والضمير عائد على الأرض، إلا أن هناك يدل عليه سياق الكلام، وهنا يمكن أن يعود على ملفوظ به، وهو قوله: {في السموات ولا في الأرض}.
ولما كانت حاملة لمن عليها، استعير لها الظهر، كالدابة الحاملة للأثقال، ولأنه أيضًا هو الظاهر بخلاف باطنها.
فإنه {بعباده بصيرًا}: توعد للمكذبين، أي فيجازيهم بأعمالهم. اهـ.

.قال السمرقندي في الآيات السابقة:

قوله عز وجل: {يا أيها الناس أَنتُمُ الفقراء إِلَى الله} يعني: أنتم محتاجون إلى ما عنده.
ويقال: {أَنتُمُ الفقراء إِلَى الله} في رزقه ومغفرته {والله هُوَ الغنى الحميد} {الغنى} عن عبادتكم {الحميد} في فعله وسلطانه.
وهذا كما قال في آية أخرى: {هَآ أَنتُمْ هؤلاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُواْ في سَبِيلِ الله فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ والله الغنى وَأَنتُمُ الفقراء وَإِن تَتَوَلَّوْاْ يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لاَ يكونوا أمثالكم} [محمد: 38] لأن كل واحد يحتاج إليه.
لأن أحدًا لا يقدر أن يصلح أمره إلا بالأعوان، والأمير ما لم يكن له خدم وأعوان، لا يقدر على الإمارة.
وكذلك التاجر يحتاج إلى المكارين، والله عز وجل غني عن الأعوانِ وغيره.
ثم قال عز وجل: {إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ} يعني: يهلككم ويميتكم {وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ} أفضل منكم وأطوع لله {وَمَا ذلك عَلَى الله بِعَزِيزٍ} يعني: شديد {وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أخرى} يعني: لا تحمل نفس خطيئة نفس أخرى.
ويقال: لا تحمل بالطوع ولكن يحمل عليها إذا كان له خصمًا.
ثم قال: {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا} يعني: الذي أثقلته الذنوب والأوزار، إن لو دعا أحدًا، ليحمل عنه بعض أوزاره، لا يحمل من وزره شيئًا.
وإن كان ذا قرابة لا يحمل من وزره.
وروى إبراهيم بن الحكم عن أبيه، عن عكرمة قال: إن الوالد يتعلق بولده يوم القيامة فيقول: يا بني إني كنت لك والدًا فيثني عليه خيرًا.
فيقول: يا بني قد احتجت إلى مثقال ذرة.
وفي رواية أخرى: إلى مثقال حبة من حسناتك لعلي أنجو بها مما ترى.
فيقول له ولده: ما أيسر ما طلبت ولكن لا أطيق.
إني أخاف مثل الذي تخوفت.
ثم يتعلق بزوجته فيقول لها: إني كنت لك زوجًا في الدنيا فيثني عليها خيرًا ويقول: إني طلبت إليك حسنة واحدة لعلي أنجو بها مما ترين.
فتقول: ما أيسر ما طلبت، ولكن لا أطيق.
إني أخاف مثل الذي تخوفت فذلك قوله: {وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إلى حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شيء وَلَوْ كَانَ ذَا قربى}.
ثم قال: {إِنَّمَا تُنذِرُ الذين يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بالغيب} يعني: إنما تخوف بالقرآن الذين يخافون ربهم بالغيب.
يعني: آمنوا بالله وهم في غيب منه {والذين يُمَسّكُونَ} يعني: يقيمون الصلاة.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يُنذر المؤمنين والكافرين.
ولكن الذين يخشون ربهم هم الذين يقبلون الإنذار فكأنه أنذرهم خاصة.
ثم قال: {وَمَن تزكى} يعني: توحد.
ويقال: تطهر نفسه من الشرك.
ويقال: من صلح فإنما صلاحه لنفسه يثاب عليه في الآخرة.
ويقال: من يعطي الزكاة فإنما ثوابه لنفسه.
{فَإِنَّمَا يتزكى لِنَفْسِهِ وَإِلَى الله المصير} فيجازيهم بعملهم.
قوله عز وجل: {وَمَا يَسْتَوِى الاعمى} يعني: الكافر الأعمى عن الهدى {والبصير} يعني: المؤمن {وَلاَ الظلمات وَلاَ النور} يعني: الكفر والإيمان {وَلاَ الظل وَلاَ الحرور} يعني: الجنة والنار {وَلاَ الحرور} هو استقرار الحر {وَمَا يَسْتَوِى الاحياء وَلاَ الاموات} قال القتبي: مثل الأعمى والبصير كالكافر والمسلم، والظلمات والنور مثل الكفر والإيمان، والظل والحرور مثل الجنة والنار، وما يستوي الأحياء ولا الأموات مثل العقلاء والجهال.
ثم قال: {إِنَّ الله يُسْمِعُ مَن يَشَاء} يعني: يفقه من يشاء {وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن في القبور} يعني: لا تقدر أن تفقه الأموات وهم الكفار {إِنْ أَنتَ إِلاَّ نَذِيرٌ} يعني: ما أنت إلا رسول {إِنَّا أرسلناك بالحق} يعني: بالقرآن.
ويقال: لبيان الحق {بَشِيرًا وَنَذِيرًا} وقد ذكرناه {وَإِن مّنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خَلاَ فِيهَا نَذِيرٌ} يعني: وما من أمة فيما مضى إلا فيهم نذير.
يعني: إلا جاءهم رسول.
ثم قال: {وَإِن يُكَذّبُوكَ} يا محمد {فَقَدْ كَذَّبَ الذين مِن قَبْلِهِمْ جَاءتْهُمْ رُسُلُهُم بالبينات} يعني: بالأمر والنهي {وبالزبر} يعني: بالكتب، وبأخبار من كان قبلهم {وبالكتاب المنير} يعني: المضيء.
الكتاب هو نعت لما سبق ذكره من البينات والزبر {ثُمَّ أَخَذْتُ الذين كَفَرُواْ} يعني: الذين كذبوهم فعاقبتهم {فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} يعني: كيف كان إنكاري وتغييري عليهم ثم ذكر خلقه ليعتبروا به ويوحدوه:
فقال عز وجل: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الله أَنزَلَ مِنَ السماء مَاء} يعني: المطر {فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُّخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا} من الثمار الأحمر، والأصفر، والحلو، والحامض {وَمِنَ الجبال جُدَدٌ بِيضٌ} يعني: خلق من الجبال جددًا يعني: جماعة الجدة.
والجدة هي الطريق التي في الجبل.
والجدد هي الطرائق.
فترى الطريق من البعد منها أبيض، وبعضها حمر.
وقال القتبي: الجدد الخطوط والطرق تكون في الجبال، فبعضها بيض وبعضها حمر، وبعضها غرابيب سود، وهو جمع غربيب وهو الشديد السواد.
ويقال: أسود غربيب {وَحُمْرٌ مُّخْتَلِفٌ ألوانها وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ الناس والدواب} يعني: خلق من الناس والدواب {والانعام مُخْتَلِفٌ ألوانه كَذَلِكَ} أي: كاختلاف الثمرات.
ثم استأنف فقال: {إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} وقال بعضهم: إنما يتم الكلام عند قوله: {مُّخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ}.
ثم استأنف فقال: {كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العلماء} يعني: هكذا يخشى الله من عباده العلماء.
يعني: إن العلماء يعلمون خلق الله تعالى ويتفكرون في خلقه، ويعملون ثوابه وعقابه فيخشونه، ويعلمون بالطاعة طمعًا لثوابه، ويمتنعون عن المعاصي خشية عقابه.
وقال مقاتل: أشد الناس خشية أعلمهم بالله تعالى.
فيها تقديم.
وروى سفيان عن بعض المشيخة، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل: يا رسول الله أينا أعلم؟ فقال: «أَخْشَاكُمْ لله تَعَالَى إنَّمَا يَخْشَى الله مِنْ عِبَادِهِ العُلَمَاءُ» قالوا: يا رسول الله فأيُّ الأصحاب أفضل؟ قال: «الذي إذا ذَكَرْتَ أَعَانَكَ، وإذا نَسِيتَ ذَكَّرَكَ» قالوا: فأي الأصحاب شر؟ قال: «الَّذِي إذَا ذَكَرْتَ لَمْ يُعِنْكَ، وإذا أُنْسِيتَ لَمْ يُذَكِّرْكَ» قالوا: فأيُّ الناس شر؟ قال: «اللُّهُمَّ اغْفِرْ لِلعُلَمَاءِ وَالعَالِمُ إذا فَسَدَ فَسدَ النَّاسُ».
ثم قال تعالى: {أَنَّ الله عَزِيزٌ} في ملكه {غَفُورٌ} لمن تاب.
قوله عز وجل: {إِنَّ الذين يَتْلُونَ كتاب الله} يعني: يقرءون القرآن.
ويقال: معناه يتبعون كتاب الله تعالى.
يقال: تلا يتلو إذا تبعه كقوله تعالى: {والقمر إِذَا تلاها} [الشمس: 2] {والذين يُمَسّكُونَ} يعني: أتموا الصلوات في مواقيتها {وَأَنْفَقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ} يعني: تصدقوا مما أعطيناهم من الأموال {سِرًّا وَعَلاَنِيَةً يَرْجُونَ تجارة لَّن تَبُورَ} يعني: لن تهلك ولن تخسر.